Tuesday, 5 April 2011

تاريخ الحركة الاسيرة

تاريخ الحـركـة الأسـيرة

تجربـة لم يعرف لها التاريخ مثيل

لا يعرف الزمان ولم يسجل التاريخ في سفره ولم تشهد المعتقلات والسجون بطولها وعرضها حركة كالحركة الوطنية الأسيرة الفلسطينية، فالحركة الوطنية الأسيرة استطاعت أن تصنع وتسطر لنفسها تاريخاً رائعاً ومشرقاً، مميزاً ومؤثراً في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ... تاريخ كتبت حروفه بالدم والمعاناة ، بالصمود والإرادة الفولاذية، تاريخ يتواصل يومياً ويزداد إشراقاً مع فجر كل يوم جديد … فهو تاريخ حافل بالمفاخر الوطنية ويحتوي على الكثير من المعاني والمدلولات … تاريخ كتبت فصوله وحروفه بالدماء ، بالعرق والمعاناة ، بالأمعاء الخاوية (الاضرابات عن الطعام ) ، بالصبر والإرادة ، تاريخ عمره تجاوز عقوداً من الزمن ، وسيبقى هذا التاريخ محط اعتزاز لمن كتبوه وصاغوه …ومن ساهموا في صنعه وساندوه ، ومن هربوا ووزعوا نشراته ، و لمن أنجبوا أبطاله … فهو وبدون أدنى شك تاريخنا ، تاريخ أكثر من ستمائة ألف ثائر ، هو جزء هام ومؤثر من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، هو تاريخ للشعب الفلسطيني عامة ، لهذا سيبقى محفوراً بالذاكرة ، بذاكرة كل من اعتقل وأمضى حتى ولو يوماً واحداً في السجون والمعتقلات الصهيونية ، بذاكرة ذوى الأسرى وأحبائهم وأصدقائهم … فلهؤلاء جميعاً تجارب وذكريات مريرة ومفخرة في ذات الوقت .

إذا من حقنا أن نفخر بهذا التاريخ ، ومن واجبنا أن نسعى لتوثيقه ليبقى منارة للأجيال القادمة بكل جزيئاته وصوره المختلفة … فمن الواجب علينا أن نوثق التاريخ الرائع والمشرق من شهداء وبطولات وتضحيات ، ومن الجانب الآخر يجب علينا أن نوثق الانتهاكات الصهيونية لحقوق الإنسان الفلسطيني الأسير وما تعرض ويتعرض له من ممارسات لا إنسانية ومعاملة وحشية قاسية فاقت في لا إنسانيتها ووحشيتها ما يتخيله ويتصوره العقل البشري.

وخلال انتفاضة الأقصى تعرض شعبنا لحملات اعتقال واسعة وبأساليب أكثر همجية ووحشية من تلك التي اعتاد على ممارستها الإحتلال وأعيد إفتتاح العديد من المعتقلات لإستيعاب تلك الأعداد الهائلة ، كما وتعرض أسرانا ومعتقلونا في كافة السجون والمعتقلات الصهيونية إلى أبشع الأساليب اللاإنسانية والتي فاقت كل المراحل السابقة من عمر الإحتلال وتجاوزت أدنى وأبسط القيم والأعراف الإنسانية في العالم ، وما تطالعنا به وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ، وما يتردد لمسامعنا من أخبار وأحاديث عن أوضاع الأسرى تقشعر لها الأبدان .

الحركـة الوطنيـة الأسـيرة

شكلّت الحركة الوطنية الأسيرة تجربةً رائدةً ومسيرةً حافلةً في العطاء على مدار سنوات الصراع مع العدو الصهيوني ، هذه التجربة التي ضاهت في مستوى أدائها وبرامجها مدارس فكرية متعددة رغم قسوة الحياة الاعتقالية ووحشية السجان إلا أن صدق الانتماء وتطور التجربة حوّل المعتقلات إلى قلاع ثورية تَخرّج منها آلاف الكوادر الحزبية المنظمة التي استطاعت أن ترسم ساحتنا الفلسطينية، تلك الطاقات الخلاّقة التي عكست تجربتها النوعية في المضمون والأداء وفي مجالات كثيرة في ساحة العمل الأوسع ووسط الجماهير في الميدان .

وما ميّز الحركة الأسيرة في السنوات الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة أنها كانت تركز على البعد التوعوي والتربوي فالاتجاهين الفكري والسلوكي، الأمر الذي أسهم في صقل الطاقات وتهذيبها بشكل أتاح الفرصة لبناء الكادر القادر على القيادة وتحمل المسؤوليات في ظل ظروف اعتقالية قاسية كان طابعها العام المواجهة الدائمة والمستمرة مع إدارة السجون وهذا بطبيعة الحال كان له استحقاقات إلى أن تحقق إرساء دعائم وأسس لحركةٍ أسيرةٍ شقت طريقها وسط ظروف قاسية وإدارات سجون قمعية، وغياب الإعلام القادر على رفع صوت الحركة الأسيرة في وجه الغطرسة الصهيونية ، لكنها وبالرغم من ذلك انتزعت العديد العديد من الإنجازات والحقوق .

إن التطور المذكور في واقع الحركة الأسيرة لم يكن بلا ثمن ، بل كان ثمنه عشرات الشهداء وكان ثمنه شتى الإجراءات القمعية ضد مفاصل الحركة الأسيرة كالعزل والحرمان والمحاكمات الإضافية، إلا أن كل هذه الإجراءات لم تثني الحركة الأسيرة عن مواصلة المسيرة بعزيمةٍ لا تلين، وإذا أُريد للأجيال القادمة أن تفخر بمحطة ما في مسيرة الثورة فعليها أن تفخر بهذه التجربة الرائدة والتي كان نتاجها ملموساً في منتصف الثمانينات بعد عملية تبادل الأسرى الكبيرة والرائعة والمفخرة والتي أدت لخروج آلاف الكوادر وانصهارها في ميدان المواجهة المستمرة والمباشرة مع الاحتلال حتى كانت الانتفاضة الأولى ( 1987-1994 ) والتي تقدمها أبناء الحركة الأسيرة من مختلف التنظيمات حيث كان الأداء وحيث كانت القيادة التي عبرت عن ذاتها بإنضباطية عالية تجاوزت كل إشكاليات الحركة الوطنية وانصهر الكل في ميدان المواجهة مع الاحتلال كتعبير عن روح العمل المشترك بعيداً عن الحساسيات اللامسؤولة التي تعبر عن ذاتها أحياناً في هذا الموقع أو ذلك.

إن الحديث عن الحركة الأسيرة يدفع دائماً باتجاه ربط مسيرة هذه الحركة سواء في زمن المواجهة المفتوحة مع الاحتلال أو في زمن تراجع بعض القوى عن المواجهة لأن الحركة الأسيرة حتى في ظل ما يسمى بالسلام اشتد عودها وتعمقت تجاربها لأن حالة القمع الاحتلالي لشرائح عدة في مجتمعنا بقيت مستمرة ، وإن أخذت أشكالاً متعددة ، وهذا ما كنا نلمسه فعلاً حيث إستمر زج المناضلين في المعتقلات واستمرت عمليات القمع تمارس ضد أبناء شعبنا عامةً وأبناء الحركة الأسيرة خاصةً ، الأمر الذي حتم على المنظمات والمؤسسات الحقوقية خاصةً أن تعتني بشؤون الأسرى وأن تبقى في حالة اتصال وتواصل مع الحركة الأسيرة بغض النظر عن الظرف السياسي المعاش آنذاك وإفرازاته المتعددة ، إلا أننا ولموضوعية النظرة والقراءة لواقع الحركة الأسيرة لا يمكننا ولا بأي شكل من الأشكال أن نفصل ما بين الحركة الأسيرة قبل إتفاقيات أوسلو وما بعدها بالمعنى القطعي لأن الجسم الفلسطيني وبكل أطيافه السياسية كان وما زال يكتوي بنار الاحتلال والاعتقال ، وفي السياق ذاته لا نستطيع أن نغفل مجموعة من الإرباكات التي طرأت على واقع الحركة الأسيرة بعد اتفاق اوسلو ، والتي يقف في مقدمتها غياب منهجية تربوية والاعداد الحقيقي للمناضل عند معظم القوى الفلسطينية داخل قلاع الأسر حتى غدت الحركة الأسيرة في طريقها إلى الإفراغ من المحتوى السياسي وغدا الاعتقال وظروفه عبءً على المعتقل نفسه وعلى التنظيمات وهذا ما لمسناه ليس على صعيد ما حمله المعتقلون من أفكار ورؤى لواقع الاعتقال وإنما تجاوز ذلك لما يحمله هذا المعتقل من تصورات عن طبيعة الصراع الدائر مع العدو والحلول الممكنة في ظل اختلال موازين القوى التي بات فيها الطرف الفلسطيني محاصراً في كل شيء إلاّ من إرادته وعزيمته التي ما زالت تشكل سلاحه في هذا الزمن المختل لصالح العدو ، وأصبح هَم الغالبية العظمى من المعتقلين هو التحرر وإنتظار قوائم ودفعات جديدة … ورغم هذا الإختلاف في الرؤى والبرامج بين الأسرى إلا أن العلاقات الداخلية لم تتأثر وبقي الكل يشكل جسداً واحداً في وجه إدارة مصلحة السجون وسياساتها القمعية … وبالمقابل وحتى تكتمل الصورة رافق ذلك حملات الإفراجات السياسية ضمن استحقاقات عملية السلام وتحرر في هذا السياق العديد من المعتقلين ذوي الأحكام العالية وأسرى الدوريات … إلخ وهذا أمر إيجابي جداً يحسب للسلطة الوطنية الفلسطينية لإيلائها الإهتمام بقضية الأسرى وضرورة الإفراج عنهم جميعاً بالرغم مما يمكن تسجيله هنا من ملاحظات سلبية على حملات الإفراج من قبل سلطات الإحتلال مثل تصنيف المعتقلين إلى فئات بحسب مواقفهم ومواقف منظماتهم من اتفاق أوسلو، وكذلك التمييز بين الأسرى الذين اشتركوا في عمليات قتل فيها صهيونيون ، وإتهامهم بأن " أياديهم ملطخة بدماء اليهود " ..!! وكأن هؤلاء الأسرى كانوا في رحلة كشافة ولم يكونوا يخوضوا معركة التحرر الوطني .!!! كما وتناست الحكومة الصهيونية أن كل قياداتها السياسية والعسكرية وكل الرؤساء وأعضاء لجان المفاوضات من الصهيونيين ، بل وكل صهيوني يديه ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني ..!!

وأخذت سلطات الإحتلال تربط الإفراج عن الأسرى بالتقدم في مسيرة المفاوضات ، وكأن قضية الأسرى والمعتقلين أصبحت ورقة ضغط قوية وورقة إبتزاز ومساومة في يد " صهيون " لإجبار الفلسطينيين على تقديم التنازلات.

ومع إندلاع إنتفاضة الأقصى 28سبتمبر 2000م ( كان في السجون 1150 أسير ) إشتدت الهجمة الصهيونية القمعية والدموية على الشعب الفلسطيني وإشتدت حملات المقاومة المشروعة أيضاً لطرد الإحتلال ، فعادت صهيون الى سياستها القديمة الجديدة وشنت حملة إعتقالات واسعة جداً طالت كل المدن والقرى الفلسطينية بما فيها المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة وتنوعت أشكال الإعتقال وزجت بالآلاف من الفلسطينيين في السجون والمعتقلات حتى وصل عدد حالات الإعتقال الى أكثر من 35 ألفاً خلال إنتفاضة الأقصى ، وأقدمت على إعادة إفتتاح العديد من المعتقلات كالنقب وعوفر .. وإكتظت السجون بالمعتقلين ،ومع تـزايد حملات القمع المنظمة التي يمارسها الجلادون الصهيونيون ضد أسرانا ومعتقلينا ، من معاقبتهم جماعيـًا ورشهم بالغاز والتكسير والتعرية ، وإخضاعهم لكل صنوف الإهانة والتحقير ، وتقييد أيديهم وشبحهم لأيام عديدة في زنازين ضيقة مغمورة أرضيتها بالمياه النتـنة أو حتى في المراحيض ، وتدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والحشرات ورداءة الطعام وقلته وحرمانهم من تلقي العلاج خاصة مصابي وجرحى الانتفاضة والحرمان من النوم ، وحرمان الأسرى من زيارة ذويهم من بداية انتفاضة الأقصى ،، والإزدحام الشديد واستمرار العزل في زنازين انفرادية ، في عملية قتل للأسير الفلسطيني قتلاً بطيئـًا ولكنه منظمـًا ومدروسـًا بعناية فائقة ..!! وإحالة الأطفال الأسرى إلى محاكمات صورية جائرة واستصدار عقوبات بالسجن لسنوات طويلة ضدهم ، ووضعهم مع السجناء الجنائيين الصهيونيين ..!! .

فخلال إنتفاضة الأقصى توجه الفعل الإنتقامي الصهيوني العاجز نحو قمع واضطهاد الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية في محاولة يائسة لكسر شوكتهم وإذلالهم مترافقة مع حملة شرسة لسحب إنجازاتها التاريخية والتي تحققت عبر عقود من الزمن ومن خلال دماء العشرات من الشهداء وتضحيات عشرات الآلاف من الأسرى ومعاناة مئات الآلاف ، وأخذت صرخات الإستغاثة تخترق جدران السجون وأسلاكها الشائكة ، وتجاوزت حدود السجون ، لكنها فشلت في الوصول إلى آذان العالم .. !!

الأمر الذي دفع الأسرى ومنذ بداية إنتفاضة الأقصى الى ترتيب أوضاعهم الداخلية من جديد ووفق ما تقتضيه المرحلة من إعداد ومواجهة وإستقبال للآلاف من المعتقلين الجدد ، وغدى الإهتمام أكثر بالأسس البنيوية والتعبوية الأخلاقية والتربوية والثورية والانطلاق بها لصنع الإنسان الفلسطيني المناضل الثوري والحقيقي، وهذا الحال أعاد الإعتبار من جديد وبقوة لقضية الأسرى وأصبحت قضيةً أساسيةً على أجندة الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ، وأيضاً دفع بالعديد من المؤسسات الحقوقية والإنسانية لأن تلعب دوراً إيجابياً وداعماً للأسرى وقضاياهم العادلة ، فإزدادت حملات الدعم والمساندة وإتسعت رقعة فعاليات التضامن الجماهيري

فالأسرى والمعتقلون جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وقطاع أساسي من قطاعات الحركة الوطنية الفلسطينية ، فهم من حملوا لواء النضال جنباً إلى جنب مع بقية المناضلين من أبناء الشعب الفلسطيني في كل ساحات العمل والتواجد ، وتقدموا الصفوف غير آبهين لشيء إلا لاستمرار النضال ودعم مسيرة شعبهم التحررية ، وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة وشرف الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة ، و لم يعرفوا إلاّ الثورة وطنـًا وهويةً في السراء والضراء ، وانخرطوا في صفوف النضال في أصعب مراحله ، وتركوا عائلاتهم وأطفالهم ، وقادوا معارك المقاومة والشرف ، وفي الأسر خاضوا معارك الاعتقال بإباء وصمود أسطوريين وخاضوا عشرات الإضرابات عن الطعام ، فكان الألم زادهم والمعاناة شرابهم ، حيث سقط العشرات منهم شهداءً من أجل كرامة الإنسان الفلسطيني وحقوقه ، ومن مواقع الألم والمعاناة العميقة ، ومن قلب جدران القهر والحرمان طوال سنوات الاعتقال الرهيبة كتبوا بصمودهم فصلاً جديدًا في ملحمة الحركة الوطنية الفلسطينية ، وسطروا صفحات مشرقة في تاريخ سجناء الحرية في العالم ، وأذهلوا قلوب جلاديهم بالحصانة الوطنية التي يتسلحون بها .

فمنذ وعد بلفور الذي أعطى اليهود وطناً في فلسطين عرف الشعب الفلسطيني السجن، وذاق اشد أنواع القهر والحرمان في صراعه المتواصل ضد الاحتلال وضد اقتلاعه من أرضه وهويته...تقلب الفلسطيني على أيدي سجانين كثر عبر مراحل مختلفة، فكل الدول التي استعمرت وحكمت فلسطين منذ الانتداب البريطاني وحتى الحكم الأردني ومن بعده الاحتلال الصهيوني قد تفننت في بناء السجون والزنازين التي اعتقل فيها الآلاف من الفلسطينيين، حتى ان معظم السجون الصهيونية الحالية هي موروثة عن الانتداب البريطاني.

فعندما نتحدث عن قضية الأسير الفلسطيني فإننا نتحدث عن تاريخ شعبٍ يكافح ولا يزال ضد الاحتلال والإبادة، فالسجون تسجل عبر معاناة المعتقلين تاريخياً حكاية الشعب الفلسطيني وسيرته النضالية وكفاحه الدءوب في سبيل حريته واستقلاله.

انه تاريخ مشحون بالمعاناة والقهر، مجبولٌ بالبطولات والدماء، أسماء شعبٍ حفرت على جدران الزنازين وأرواح زهقت في حلكة الظلام...فارتبط السجن بالنشيد وبالأغنية وبالمقاومة منذ قصيدة إبراهيم طوقان (الثلاثاء الحمراء) عندما اعدم الانجليز في سجن عكا الشهداء الثلاثة فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم عام 1929 حتى ملحمة (فضاء الأغنيات) الشعرية للشاعر المتوكل طه في سجن النقب الصحراوي أنصار 3 عام 1988 عندما اعدم قائد معسكر النقب الشهيدين بسام صمودي واسعد الشوا بإطلاق الرصاص عليهما..مروراً بحنين محمود درويش الى خبز امه وقهوة امه في السجن الصهيوني بعد نكبة 1948 ولا غرابة ان تكون ثقافة الثورة قد استمدت من انصهار الحلم الفلسطيني بحديد وقيود السجن، لتنطلق المقاومة الفلسطينية حاملة كل هذه التضحيات المصهورة بالوجع والغضب ضد الجلادين والمستعمرين...ولا غرابة ايضاً ان تخرّج السجون معظم قيادات الثورة الفلسطينية المعاصرة.

ان يوم الاسير الفلسطيني الذي يحيه الشعب الفلسطيني كل عام في 17 نيسان هو يوم نضالي ووطني يجسد تمسك هذا الشعب بالحرية وتحطيم القيود ومن خلاله يتم التأكيد أن هذا الشعب لا ينسى أبنائه المعتقلين بل يقف إلى جانبهم والى جانب حريتهم وحقوقهم الإنسانية.

وقد بدأ الشعب الفلسطيني باحياء يوم الاسير منذ عام 1974 وهو العام الذي تمت فيه وبتاريخ 17/4/1974 اول عملية تبادل للأسرى حيث استبدل الاسير الفلسطيني الاول محمود بكر حجازي بأحد المستوطنين الذي تم اختطافه خصيصاً لاجراء عملية التبادل، وقد اعتمد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته في نفس العام يوم 17 نيسان يوماً من اجل حرية الاسير الفلسطيني.

البدايــــــــــــات

لقد تجرع المعتقلون الاوائل بعد احتلال باقي فلسطين عام 1967 مرارة سياسة استهدفتهم من ابواب كثيرة وطنية ونفسية واجتماعية وفكرية، فقد اتبعت حكومة صهيون في هذه المرحلة كل الاساليب الممكنة لأجل تحقيق هدفها في تطويع المناضل الاسير لإخضاعه تمهيداً لشطبه وطنياً وانسانياً، فسياسة الاستنزاف العصبي المرهق وسياسة التجويع النفسي والمادي والحرمان المطلق من كل الضرورات الاولية لحياة بشرية معقولة، وسياسة الاسقاط الوطني والاستهداف الامني، وسياسة التجهيل الثقافي وغيرها دل كل هذا على ان السجن في المفهوم الصهيوني هو اداة لقمع ومواصلة قمع مقاومة الشعب الفلسطيني المحروم من حقوقه الانسانية والسياسية.

وعبر القادة الصهيونيون عن هذه السياسة، فغولدا مائير التي يقض مضجعها كلما سمعت ميلاد كل طفل فلسطيني تساءلت اكثر من مرة اين هو الشعب الفلسطيني...

لقد تحولت السجون التي ورث معظمها الصهيونيون عن الانتداب البريطاني بعد حرب حزيران عام 1967 الى مراكز لشن العنف ضد الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة ذلك العنف الذي يستهدف الابادة ولكن عبر وسيلة اخرى غير حبل المشنقة....هي وسيلة الاعتقال وسياسة الموت البطيء التدريجي للأسرى..

وهذا ما وعد به موشي ديان بتحويل المعتقلين في السجون الى حطام وكائنات لا تمت للبشرية بأية صلة، كائنات مفرغة من كل محتوى انساني وتشكل عبئاً على نفسها وشعبها..

برز السجن في الكيان الصهيوني كمؤسسة توفرت لها كافة الشروط المناسبة وتجهزت بكامل المقومات الضرورية لأجل تحقيق هذا الهدف اللاانساني بحق المناضلين الفلسطينيين.

ومن هنا فإن صراع الأسرى داخل السجون الصهيونية ومنذ البدايات تركز حول دفاعهم عن ذاتهم الوطنية التي استهدفتها سياسات الإبادة الصهيونية ومنذ عام 1967 زج بالآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في السجون، وعملت حكومة صهيون على ترميم السجون القديمة لزيادة قدرتها الاستيعابية وأقامت العديد من مراكز ومعسكرات الاعتقال الجديدة كأنصار 3 في النقب، وعوفر في بيتونيا، وسالم وحوارة في نابلس، وقادوميم في طولكرم وغيرها حتى انها حولت سجن الفارعة خلال الانتفاضة الاولى عام 1987 والذي كان يستخدم اصطبلاً للخيل في العهد البريطاني الى مركز للتحقيق...وحولت سجن الدامون الذي كان يستخدم كمستودع للدخان في العهد البريطاني إلى سجن.

لقد شهدت السجون حرباً بكل معنى الكلمة بين الإنسان الأسير المدافع عن إنسانيته وذاته الوطنية وبين سياسة الجلادين الرامية الى تفريغ هذه الذات وقتلها فنجد انه في كل سجن بل في كل غرفة سجن وزنزانة تجربة جماعية وفردية متنوعة ومتعددة تشكل بمجملها تجربة الإنسان الفلسطيني الأسير..إنها الرحلة الطويلة التي لم تصل إلى نهايتها حتى الان رحلة المقاومة والتصدي والسير في طريق الحرية.

وحسب إحصائيات مؤسسات حقوق الإنسان فقد قدر عدد حالات الاعتقال ما بين 1967- 1987 بِـ (535000) اسير فلسطيني بمعدل 27 ألف حالة اسر سنوياً في حين يقدر عدد الفلسطينيين الذين تم اسرهم منذ بداية الانتفاضة الاولى في 8/12/1987 وحتى نهاية عام 1994 بحوالي 275 الف مواطن فلسطيني فيكاد لا يكون هناك بيت فلسطيني الا واعتقل احد ابنائه.

ويمكن القول أن السنوات الأولى من التجربة الاعتقالية قد حفرت علامات دامغة في أذهان وعلى أجساد المعتقلين لأنها كانت مسرحاً مفتوحاً يمارس على خشبته كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. فقد كان استخدام العنف والاعتداء على الأسرى والأسيرات منذ بداية الاعتقال بمثابة قانون روتيني يتعرض له الاسرى وبأشكال مختلفة ، ونوورد هنا عدداً من الإحصاءات تظهر عدد الأسرى وفئاتهم على الشكل الآتي:

م.

المنطقة

العدد

1-

القدس

49

2-

الضفة الغربية

139

3-

قطاع غزة

136

4-

فلسطينيي الداخل (ال48)

21

5-

الأسرى العرب

سوريا

4

لبنان

1

المجموع الكلي

350

ولم يقتصر الأمر على الاعتداء الجسدي فأساليب الإذلال التي نفذها السجانون كانت اشد وقعاً من الاعتداء بهدف كسر روح السجين وتحطيم نفسيته وتحويله مجرد عبد لا قيمة له، وعلى سبيل المثال كان الأسرى يجبرون على مخاطبة السجان بكلمة (سيدي) ويمنعون من إطلاق شعر الرأس والشارب وإلزامهم بحلاقة ذقونهم مرتين أسبوعيا بشفرة حلاقة واحدة توزع على خمسة أسرى إضافة إلى الإذلال المتبع في طريقة استحمام الأسرى بإجبارهم على الخروج عراة من غرفهم إلى حمام خارجي وإلزامهم إحناء الرأس أثناء قيام شرطة السجن بإجراء العدد اليومي وشملت سياسة الإذلال إجبار الأسرى في ساحة الفورة (النزهة) والأيدي متشابكة خلف الظهر والجلوس قرفصاء في الساحة.

لا ينسى الأسرى الأوائل أبدا ما أطلقوا عليه ( أسطورة البرش المقدس) والتي تتمثل بإجبار الأسير على ترتيب الأربع بطانيات التي يملكها بشكل معين منذ الصباح حتى المساء ويمنع الاقتراب منها وإلا سيناله العقاب.

لقد اجبر الأسرى على العمل في مرافق الإنتاج الصهيوني التي تعود عائداتها لصالح المؤسسات العسكرية والاقتصادية في صهيون مقابل اجرٍ زهيد، وحوصروا ثقافياً كمنعهم من الحصول على القلم والدفتر والكتاب وإجبارهم على سماع الإذاعة الصهيونية في أوقات محددة ولم يسمح لهم بقراءة الصحف سوى صحيفة الأنباء التي تصدرها أجهزة المخابرات الصهيونية، وكان الأسير الذي يتم ضبط قلم او ورقة معه يعاقب في زنزانة انفرادية، وكان اشدّ الاساليب خطورة هي سياسة الافراغ الثقافي والفكري من خلال ترويج كتب ثقافية فارغة المضمون داخل السجون.

وواجه الأسرى سياسة الإهمال الطبي وكانت حبة الاكامول هي العلاج السحري لكل الأمراض، وقد استشهد العديد من الاسرى بسبب عدم وجود عناية طبية، وحمل الكثير من الاسرى المحررين امراضاً مزمنة معهم واستشهدوا بسببها بعد الإفراج.

ولعب الجهاز الطبي لمصلحة السجون دوراً قمعياً واستخبارياً مستغلاً حاجة الاسرى للعلاج لمساومتهم على شرفهم الوطني اضافة الى مساهمته في قتل عدد من الاسرى كما حصل مع الشهيدين علي الجعفري وراسم حلاوة على اثر اضراب سجن نفحة عام 1980، وقد كشفت الصحافة الصهيونية في السنوات الاخيرة عن الف تجربة طبية قامت بها حكومة صهيون وبشكل سري على المعتقلين الفلسطينيين في السجون.

وواجه الاسرى سياسة العزل بأشكال عديدة والتي تقوم على عزل النشطاء من الأسرى وما تطلق عليه إدارة السجون (ذوي الرؤوس الحامية).

وكانت سياسة تعذيب المعتقلين بأساليب محرمة دولياً هي سياسة ممنهجة وثابتة حيث تعرض المعتقلون لمعاملة قاسية وعنيفة على يد المحققين الصهيونيين، وامتلأت تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بشهادات مشفوعة بالقسم عن حالات تعذيب وحشية تعرض لها الاسرى والاسيرات على ايدي المخابرات الصهيونية...واصبح التعذيب قانوناً ومشرعاً من قبل حكومة صهيون وفق تقرير لجنة لنداو عام 1978 والتي اجازت استخدام الضغط الجسدي والنفسي مع المعتقلين..ولم تراعي حكومة صهيون القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة التي تحرم التعذيب وتعتبره جريمة حرب.

لقد استشهد المئات من الاسرى الفلسطينيين في اقبية التحقيق بسبب استخدام وسائل التعذيب العنيفة وكل ذلك كان يجري تحت غطاء القانون وما يسمى (محاربة الارهاب)

ان الظروف القاهرة والحياة اللاانسانية التي عاشها المعتقلون داخل السجون في ظل شروط حياة بائسة وضغوطات واجراءات مشددة دفعتهم الى الاصطفاف لبناء وجودهم الجماعي والتنظيمي والدفاع عن حقوقهم ورفض سياسة اذلالهم واستعبادهم.

فبدأ الاسرى في بناء المؤسسة الاعتقالية، ولعب عدد من اصحاب التجربة التنظيمية دوراً في وضع اللبنات الاولى لبناء الجسم الاعتقالي ، حيث تم القضاء على كل مظاهر التحلل والانفلات في صفوف الاسرى ووضع البرامج التنظيمية والفكرية والتعبوية لمواجهة التحديات القائمة في السجون وبالفعل فقد بنيت الاطر السياسية داخل السجون على قاعدة الالتزام والوحدة ومحاربة كل اشكال القهر والاذلال، وتطلب ذلك جهداً كبيراً وعملاً دؤوباً حتى استطاع المعتقلون ومن خلال خطوات نضالية واضرابات امتناعية وعصيان اوامر واجراءات ادارة السجون استطاع المعتقلون الحصول على جزء مهم من حقوقهم الانسانية والمعيشية.

ويمكن القول ان اضراب سجن عسقلان التاريخي عن الطعام في 11/12/1976 والذي استمرّ 45 يوماً يعتبر نقلة نوعية في مسيرة الاعتقال نحو تحسين شروط الحياة في المعتقلات ومظهراً من مظاهر نضوج التجربة وترسيخ المؤسسة الاعتقالية القائدة في السجون، وقد اعتبر الاضراب ملحمة جماعية وضعت حجر الاساس للنضال الاعتقالي الشامل المبني على اسس تنظيمية راسخة، ولأول مرة يرافق هذا الاضراب تفاعل شعبي جماهيري خارجي مناصر لمطالب الاسرى.

واعتبر اضراب سجني نفحة في 21/7/1980 وسجن جنيد في نابلس 23/9/1984 المفتوح عن الطعام نقطة تحول جذري في حياة الحركة الاسيرة حيث بدأت مرحلة تحقيق المنجزات والحقوق الانسانية للأسرى اذ رافق هذين الاضرابين تفاعل شعبي وجماهيري خارجي مساند لمطالب المعتقلين اضافة الى مشاركة ومساندة في الاضراب في كافة السجون الاخرى...وفي هذين الاضرابين تم تركيب الاسرّة للمعتقلين بدلاً من فرشات الاسفنج الركيكة وادخال اجهزة الراديو وانهاء سياسة الاعتداء على الاسرى واذلالهم وتحسين الطعام وتغيير نظام الزيارة ليصبح مرة كل اسبوعين بدلاً من كل شهر والسماح بالحركة داخل السجن بالتزاور بين الغرف والاقسام وانهاء الازدحام في الغرف وادخال الملابس وتحسين التهوية والانارة وغيرها.

لقد اعاد هذين الاضرابين الهيبة للحركة الاسيرة وادى الى الاعتراف بشرعية المؤسسة الاعتقالية، اذ لأول مرة يقوم وزير الشرطة حاييم برليف بالمفاوضات مع اللجنة القيادية في سجن جنيد خلال اضراب عام 1984.

نود ان نشير ان احتمال نكوص وتراجع إدارة السجون عما وافقت عليه من مطالب للأسرى وارد دوماً حيث تتحين الفرص لشن هجوم مضاد على منجزات المعتقلين قد تؤدي لتراجع شروط الحياة في هذا المعتقل الى وضع اقل مما وصلت اليه وهذا ما جرى بعد صفقة تبادل الأسرى عام 1985 بالإفراج عن العديد من الكفاءات والقيادات الاعتقالية ذات التجربة لتستغل إدارة السجون الصهيونية الفراغ الذي أحدثه الإفراج عن هؤلاء لتتراجع عن وعودها ولتبدأ بحملة من القمع وفرض الإجراءات الخانقة والمذلة على الحركة الأسيرة لتصبح الحركة الاسيرة في موقف الدفاع عن منجزاتها التي حققتها بالتضحيات الغالية...مما اضطر الأسرى لفتح إضراب عن الطعام في 25/3/1987 استمر 20 يوماً لحماية حقوقهم ومنجزاتهم.

وكان لإندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 8/12/1987 وما تخلله من عمليات اعتقال واسعة واقامة سجون عسكرية لاستيعاب الأعداد الجمة من المعتقلين، إضافة إلى العدوان الثلاثيني على العراق وما أحدثه من متغيرات دولية عكست نفسها على القضية الفلسطينية وحركتها الوطنية التي تعتبر الحركة الأسيرة جزء منها...هذه العوامل لعبت دوراً في التأثير على المسيرة الاعتقالية في السجون...إذ أن عمليات القمع والبطش التي مارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الانتفاضة وفرض سياسة القبضة الحديدية قد طالت الأسرى ومنجزاتهم وحقوقهم، وكان واضحاً ان هناك مخططاً لضرب الحركة الأسيرة وتقويض منجزاتها وذلك بتنصل إدارة السجون من وعودها التي قطعتها على نفسها في تحسين ظروف الحياة داخل السجون وتصعيد إجراءاتها التعسفية تجاه حقوق الأسرى...وكان من ابرز هذه الإجراءات افتتاح قسم العزل في سجن الرملة الذي يطلق عليه (نيتسان) وأقسام عزل في بئر السبع وعسقلان، حيث تم نقل عدد كبير من المعتقلين الى هذه السجون ذات الظروف القاسية جداً إضافة إلى قيام إدارة السجون بإصدار تعليمات بمنع الاحتفالات في المناسبات الوطنية، وتصاعد الاعتداء على المعتقلين بالرش بالغاز المسيل للدموع والإهمال الطبي للمرضى والجرحى وتقليص كميات الطعام وإجبار الأسرى على الوقوف أثناء العدد اليومي وغير ذلك من المضايقات.

وأمام كل هذا اعلن الاسرى في 27/9/1992 الإضراب المفتوح عن الطعام والذي شمل كافة السجون ولأول مرة، واعتبر هذا الإضراب الذي استمر 15 يوماً من أكثر المواجهات تنظيماً ودقة واتساعاً في تاريخ الحركة الأسيرة حتى ذلك الوقت حيث شارك فيه 16 سجناً.

وبهذه الشمولية والوحدة الجماعية ضرب الأسرى المثل الأعلى في وحدة المعركة والقرار والإرادة وتقاسموا آلام الجوع على طريق تحسين ظروفهم وانتزاع حقوقهم والدفاع عن كرامتهم وتحول الاضراب الى انتفاضة عارمة في الوطن المحتل الذي شهد المظاهرات والمسيرات التضامنية مع المعتقلين اضافة الى التغطية الاعلامية الواسعة التي صاحبت هذه المعركة..وفي النهاية خضعت ادارة السجون لمطالب الاسرى والتي ابرزها رفع القيود والإجراءات المذلة عن الأسرى في قسم العزل في الرملة، وقد تدخل وزير الشرطة آنذاك موشيه شاحل ليجري المفاوضات مع قيادة الأسرى داخل سجن جنيد كقيادة مركزية للإضراب.

لقد حقق هذا الاضراب العديد من المنجزات المادية والمعنوية وشكل انتصاراً على المخططات الصهيونية التي كانت تتأهب للانقضاض على وحدة الحركة الأسيرة وحقوقها.

يلاحظ أن الوضع داخل السجون لم يستقر يوماً..فهو في حالة مواجهة دائمة ومتواصلة..ولا تعترف مديرية السجون الصهيونية بمنجزات الحركة الأسيرة التي انتزعتها بنضالات الأسرى وجوعهم وآلامهم كأساس ثابت تستند إليه في تعاملها مع الأسرى بل تتحين الفرص للانقضاض عليها وإعادة الأوضاع إلى سنوات سابقة..فالحالة داخل السجون هي حالة اشتباك وترقب وحذر وبذلك فإن الحركة الأسيرة لم تلقي سلاح المواجهة والتعبئة والاستنفار النفسي في أي لحظة لأن أمامها عدو لا يريد لها سوى أن تدفن في الظلمة والانصياع لقوانينه الظالمة..

ورغم كل ذلك ستبقى الحركة الوطنية الأسيرة شامخةً بشموخ أبطالها ، بل وتزداد شموخاً وإشراقاً مع خيوط أشعة شمس كل صباح ، لكنها في الوقت ذاته تزداد رقماً جديداً ويزداد جرحها شرخاً ونزيفاً بإنتظار المجهول ؟؟

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More